روش طحن
عدد الرسائل : 20 تاريخ التسجيل : 22/05/2007
| موضوع: لمَ يَغيبُ الخطاب الأخروي ؟! الأربعاء مايو 23, 2007 12:24 pm | |
|
في مكة حيث الضعف والانكسار وقلة العدد وانعدام العتاد , وقد تجمعت العرب على كلمة الكفر , وصمُّوا عن الحق آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا على الضلال وإضلال الناس إصرارا , وأنفقوا الأموال كي لا تكون كلمة الله هي العليا , كانت الدعوة لا تتكلم عن شيء أكثر مما تتكلم عن اليوم الأخر ابتداء من القبر وما فيه ويوم الحساب وما فيه والجنة والنار ، حتى أصبحت سمة بارزة لما نزل من القرآن في مكة المكرمة .
بلغة العقلاء المفكرين ... الإصلاحيين : كان الحال يومها يستدعي مرونة في الطرح بإظهار شيء مما تخفيه تلال الأيام ويستيقن منه الرسول عليه الصلاة والسلام من نصر وفتح وغنيمة ، حتى يكثر العدد وتكون قوة تواجه هذه القوى . ولكنَّ شيئا من هذا لم يحدث ، وأصرت الدعوة على أن تبدأ من اليوم الآخر ترغيبا وترهيبا .
تحاول أن تجعل القلوب معلقة بما عند ربها ترجو رحمته وتخشى عقابه. ويكون كل سعيها دفعا للعقاب وطلبا للثواب فتكون الدنيا بجملتها مطية للآخرة .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو أيضا تربى على هذا المعني , فقد كان يتنزل عليه " وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ [ يونس : 46] " وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ " [يونس : 40]
وهكذا استقامت النفوس تبذل قصارى جهدها في أمر الدنيا ترجوا به ما عند الله فكان حالهم كما وصف ربهم " تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا " فهذا وصف للظاهر ( ركعا سجدا) ووصف للباطن ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) ، والسياق يوحي بأن هذه هي هيئتهم الملازمة لهم التي يراهم الرائي عليها حيثما يراهم . كما يقول صاحب الظلال ـ رحمه الله ــ .
ومن يتدبر آيات الأحكام في كتاب الله يجد أن هناك إصرار من النص القرآني على وضع صورة الآخرة عند كل أمر ونهي ضمن السياق بواحدة من دلالات اللفظ ، المباشرة منها أو غير المباشر فمثلا يقول الله تعالى " ويل للمطففين . الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعثون ليوم عظيم . يوم يقوم الناس لرب العالمين ... "
فتدبر كيف يأتي الأمر بعدم تطفيف الكيل حين الشراء وبخسه حين البيع في ظلال مشاهد يوم القيامة وحال البار فيها والفاجر ؟ ومثله " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور " فهنا أمر بالسعي على الرزق , وتذكير بأن هناك نشور ووقوف بين يدي الله عز وجل فيسأل المرء عن كسبه من أين وإلى أين ؟
بل واقرأ عن الآيات التي تتحدث عن الطلاق في سورة البقرة تجد أنها تختم باسم أو اسمين من أسماء الله عز وجل " ... فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " " ... وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " " ... وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " " ... وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " " .... إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " وهذا لا شك استحضار للثواب والعقاب .
وإذا كان هذا أسلوب القرآن العظيم في عرض قضايا الشريعة ، وهو ما تربى عليه الصحابة رضوان الله عليهم فلم يغيب الطرح الأخروي عن المشاريع الفكرية التي تنتجها أقلام ( الإصلاحيين ) وخاصة حين يتكلمون إلى الكافرين أو العلمانيين ؟ . . . لم هذا الخطاب الدعوي المنقوص ؟ لم لا نخاطبهم :آمنوا بربكم الذي خلقكم ورزقكم وأحياكم ويميتكم ثم يحاسبكم ؟ لم لا نناديهم : أسلموا قبل أن تكونوا من جثي جهنم التي وصفها كذا وكذا ؟ أسلموا كي لا تحرموا جنة فيها وفيها ...؟ ويدور الحوار حول دلائل صدق الخبر ومطلب المخبر . أسذاجة ؟ لا وربي .فهكذا نشأت خير أمّة أخرجت للناس ، ودونكم السيرة .
| |
|